وجه الملك محمد السادس، خطابًا ساميًا إلى القمة الرابعة والثلاثين لجامعة الدول العربية، التي انطلقت أشغالها يوم السبت في العاصمة العراقية بغداد، بمشاركة عدد من القادة والزعماء العرب. وتميز الخطاب الملكي بمواقف حازمة ومبادرات ملموسة تجاه القضايا العربية الملحة، وفي مقدمتها الوضع المأساوي في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب الأزمات التي تعرفها ليبيا وسوريا واليمن والسودان ولبنان، فضلاً عن دعوة جلالته إلى إصلاح منظومة العمل العربي المشترك، وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي.
وفي مستهل خطابه، أعرب الملك عن تضامن المغرب العميق مع الشعب الفلسطيني، مندداً بما وصفه بـ"الوضع المأساوي" في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تسقط يوميًا عشرات الضحايا من المدنيين العزل. ودعا جلالته إلى اتخاذ خمس خطوات عاجلة لإنهاء الأزمة، أبرزها الوقف الفوري للعمليات العسكرية، واستئناف مفاوضات الهدنة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق خطة إعادة إعمار غزة تحت إشراف السلطة الفلسطينية وبدعم عربي ودولي، كما شدد على ضرورة دعم وكالة الأونروا، والدفاع عن القدس الشريف، مشيراً إلى الدور المحوري الذي تضطلع به لجنة القدس، التي يرأسها، في صيانة هوية المدينة ودعم صمود المقدسيين، من خلال المشاريع الميدانية لوكالة بيت مال القدس.
وفي خطوة بارزة، أعلن الخطاب الملكي عن قرار المملكة إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، بعد أكثر من عقد على إغلاقها، مؤكداً دعم المغرب لحقوق الشعب السوري في الحرية والأمن، وتمسكه بوحدة سوريا الترابية، مضيفا بخصوص الأزمة الليبية، جدد الملك محمد السادس التزام المملكة بمواصلة جهود الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، مؤكداً أن المغرب سيظل فاعلاً إيجابيًا في المسار السلمي لحل الأزمة.
وفي معرض حديثه عن تحديات الأمن القومي العربي، حذر الملك من مخاطر التدخلات الأجنبية واحتضان الحركات الانفصالية، داعياً إلى الالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، كما أكد أن نجاعة العمل العربي المشترك تقتضي استكمال ورش إصلاح جامعة الدول العربية، بما يعزز قدرتها على التفاعل مع التحديات ومواكبة تطلعات الشعوب.
وفي الشق الاقتصادي، توقف الخطاب الملكي عند ضعف مؤشرات النمو والتكامل الاقتصادي في العالم العربي، مبرزاً أن معدل النمو في سنة 2024 لم يتجاوز 1,9 في المائة، كما عبّر عن أسف المغرب لجمود اتحاد المغرب العربي، لاسيما في ظل غياب حرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال والسلع بين بلدانه، داعياً إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية المستدامة، معبرا عن انشغال المملكة بالتطورات المقلقة في اليمن والسودان ولبنان، مؤكداً دعم المغرب لكل الجهود الهادفة إلى إحلال السلام والاستقرار في هذه الدول الشقيقة، عبر الحوار والحلول السلمية.
وفي ختام خطابه، جدد الملك محمد السادس استعداد المغرب للانخراط الفاعل في كل مبادرة عربية صادقة تهدف إلى خدمة تطلعات الشعوب العربية نحو الأمن والازدهار، مشدداً على ثوابت السياسة الخارجية للمملكة، القائمة على التضامن والدفاع عن القضايا العربية العادلة.